المملكة المغربية الحمد لله وحده،
المجلس الدستوري
ملف عدد: 1473/16
قرار رقم: 991/16 م. د
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
المجلس الدستوري،
بعد اطلاعه على القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المحال على المجلس الدستوري بمقتضى رسالة السيد رئيس الحكومة، المسجلة بالأمانة العامة للمجلس في 18 فبراير 2016، وذلك من أجل البت في مطابقته للدستور؛
وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو2011)، لاسيما الفصول من 113 إلى 116 والفصلان 132 و 177 منه؛
وبناء على المادة 48 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994)، كما وقع تغييره وتتميمه؛
وبعد الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف؛
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون؛
أولا– فيما يتعلق بالاختصاص:
حيث إن الفصل 132 من الدستور نص في فقرته الثانية على أن القوانين التنظيمية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، تحال إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور؛
وحيث إن المجلس الدستوري، القائم حاليا، يستمر في ممارسة صلاحياته إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية، عملا بأحكام الفصل 177 من الدستور ومقتضيات المادة 48 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية التي جاءت تطبيقا له، الأمر الذي بموجبه يكون المجلس الدستوري مختصا بالبت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور؛
ثانيا- فيما يتعلق بالشكل والإجراءات المتبعة:
حيث إنه، يبين من الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف أن القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المحال على المجلس الدستوري، اتُّخذ في شكل قانون تنظيمي، جرى التداول في مشروعه بالمجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 14 أكتوبر 2014 طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وتم إيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بتاريخ 10 ديسمبر 2014، ولم يشرع في التداول فيه، من قبل هذا المجلس، إلا بعد مضي عشرة أيام على إيداعه لدى مكتبه، وتم ذلك في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 27 أكتوبر 2015 التي وافق خلالها على المشروع في قراءة أولى، ثم صادق عليه نهائيا، في قراءة ثانية بالإجماع، في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 10 فبراير 2016، بعد أن تداول فيه مجلس المستشارين وأدخل تعديلات على بعض مواده، في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 9 فبراير 2016، والكل وفقا لأحكام الفصلين 84 و85 من الدستور؛
ثالثا– فيما يتعلق بالموضوع:
حيث إن الدستور نص في الفقرة الرابعة من فصله 116 على أنه يحدد قانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب؛
وحيث إن القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المعروض على نظر المجلس الدستوري، يتكون من 120 مادة موزعة على خمسة أقسام، يتضمن القسم الأول منها أحكاما عامة (المواد 1- 5)، ويتعلق القسم الثاني بتأليف المجلس (المواد 6-48)، والثالث بتنظيم وسير المجلس (المواد 49-64)، والرابع باختصاصات المجلس (المواد 65-113)، والخامس يتضمن أحكاما انتقالية ومختلفة (المواد 114-120)؛
وحيث إنه، يبين من فحص هذه المواد مادة مادة أنها تكتسي طابع قانون تنظيمي وفقا لأحكام الفصل 116 من الدستور، وأنها من حيث مطابقتها للدستور تثير الملاحظات التالية:
في شأن المادة 53 (الفقرة الأولى):
حيث إن هذه المادة تنص في فقرتها الأولى على أنه "يتوفر المجلس على مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تأليفها واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق وواجبات أعضائها"؛
وحيث إنه، لئن كان الفصل 116 من الدستور نص في فقرته الثالثة على أنه "يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة"، حرصا منه على توفير الضمانات الضرورية للقضاة المعرضين لمتابعات تأديبية، وذلك بأن اشترط أن لا يتم البحث والتحقيق في المخالفات المنسوبة إليهم إلا من طرف قضاة مفتشين من ذوي الخبرة، فإن طبيعة المهام الموكولة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بموجب الفصل 113 من الدستور، المتمثلة، بالإضافة إلى السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، في وضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة وإصدار التوصيات الملائمة بشأنها، وكذا إصدار آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة، تستدعي توفر المجلس على مفتشية عامة للشؤون القضائية تعينه عموما في مباشرة صلاحياته الدستورية؛
وحيث إن مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، المقرر في الفصل 107 من الدستور، يقتضي إسناد مهمة تفتيش الشؤون القضائية – التي لا تكتسي صبغة إدارية أو مالية محضة – إلى جهة تنتمي إلى السلطة القضائية؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، فليس في الفقرة الأولى من المادة 53 المذكورة أعلاه ما يخالف الدستور؛
في شأن المادة 54 (الفقرتان الأولى والأخيرة):
فيما يخص الفقرة الأولى:
حيث إن هذه الفقرة تنص على أنه "تحدث هيئة مشتركة بين المجلس والوزارة المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل فيما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية"؛
وحيث إنه، لئن كانت الإدارة العمومية موضوعة، بموجب الفصل 89 من الدستور، تحت تصرف الحكومة، فإن الإدارة القضائية تتميز عن باقي الإدارات العمومية بمساهمتها المباشرة في تدبير الشؤون القضائية المندرجة بطبيعتها في مهام السلطة القضائية؛
وحيث إن مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، المقرر في الفصل 107 من الدستور، لا يمكن اختزاله في المجلس الأعلى للسلطة القضائية واختصاصاته المحددة في الفصل 113 من الدستور؛
وحيث إن هذا المبدأ لا يمكن إعماله دون توفر المسؤولين القضائيين على صلاحية الإشراف على المصالح الإدارية للمحاكم؛
وحيث إن النظام الدستوري للمملكة لا يقوم فحسب على أساس فصل السلط، بل ينبني أيضا على توازن هذه السلط وتعاونها، طبقا لما نص عليه الدستور في الفقرة الثانية من فصله الأول؛
وحيث إن مبدأ التعاون بين السلط يقتضي، عند الحاجة، إقامة علاقات تنسيق بينها قصد تحقيق غايات مشتركة، من خلال تسهيل كل سلطة لممارسة السلطة الأخرى لوظائفها خدمة للصالح العام؛
وحيث إن حسن تدبير الإدارة القضائية يندرج في الصالح العام؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، فإن ما تنص عليه هذه الفقرة من إقامة هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، موافق للدستور؛
فيما يخص الفقرة الأخيرة:
حيث إن هذه الفقرة تنص على أنه "يمكن للوزير المكلف بالعدل حضور اجتماعات المجلس من أجل تقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية وذلك بطلب من المجلس أو الوزير"؛
وحيث إن الغاية من حضور الوزير المكلف بالعدل في اجتماعات المجلس تنحصر في تقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة، الأمر الذي يندرج في التعاون بين السلط خدمة للصالح العام لمرفق القضاء؛
وحيث إنه، ليس في الفصلين 113 و 115 من الدستور ولا في باقي أحكامه ما يحول دون إمكان استعانة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمسؤولين آخرين أو الاستماع إليهم كلما كان من شأن ذلك تسهيل مباشرة المجلس لمهامه الدستورية، ودون المساس بممارسته للصلاحيات المخولة له؛
وحيث إن حضور الوزير المكلف بالعدل في اجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يجوز أن يتم إلا بطلب من المجلس أو بطلب من الوزير بعد موافقة المجلس؛
وحيث إنه، مع مراعاة ما سبق، فإن ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة 54 المذكورة أعلاه من إمكان حضور الوزير المكلف بالعدل اجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ليس فيه ما يخالف الدستور؛
في شأن المادة 55:
حيث إن هذه المادة تنص على أنه "تؤهل الوزارة المكلفة بالعدل والوزارة المكلفة بالمالية لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للقضاة بتعاون مع المصالح المختصة للمجلس"؛
وحيث إنه، لئن كان الفصل 113 من الدستور يسند إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية السهر على "تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم"، فإنه ليس في هذا الفصل ولا في باقي أحكام الدستور ما يحول دون تأهيل الوزارة المكلفة بالعدل والوزارة المكلفة بالمالية لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للقضاة، طالما أن ذلك يتم بتعاون مع المصالح المختصة للمجلس ويقتصر على تنفيذ مقررات هذا الأخير، وهو ما يعد إعمالا لمبدإ التعاون بين السلط المقرر في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، فإن مقتضيات المادة 55 المذكورة أعلاه ليس فيها ما يخالف الدستور؛
في شأن المادة 110:
حيث إن هذه المادة تنص على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتلقى تقرير "الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان"؛
وحيث إنه، لئن كانت الجهة القضائية التي تتولى رئاسة النيابة العامة، تظل – وفقا للمبدإ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة – مسؤولة عن كيفية تنفيذها للسياسة الجنائية الموضوعة من قبل السلطة الدستورية المختصة، فإن إعمال هذا المبدأ لا يمكن أن يتم، فيما يخص السلطة القضائية المستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، بنفس الكيفية وبذات الأدوات التي يتم بها في مجالات أخرى، بالنظر لطبيعة السلطة القضائية واستقلالها وآليات اشتغالها والسبل المقررة لتصحيح أخطاء أعضائها؛
وحيث إنه، لئن كان الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، المعهود إليه بترؤس النيابة العامة، يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، وذلك أساسا أمام السلطة التي عينته المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا أمام هذا المجلس الذي يتعين عليه أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، فإن المشرع، باعتباره المختص بوضع السياسة الجنائية، يحق له تتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها إذا اقتضى الأمر ذلك؛
وحيث إن التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، المنصوص عليها في الفصل 113 من الدستور، بما في ذلك تقارير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، تعد تقارير تهم الشأن العام القضائي التي يجوز للجميع، لا سيما البرلمان، تدارسها والأخذ بما قد يرد فيها من توصيات، مع مراعاة مبدإ فصل السلط والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة؛
وحيث إن المادة 110 المذكورة، ما دامت لا تشترط عرض الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لتقاريره المتعلقة بتنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة ولا حضوره لدى مناقشتها أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان، فليس فيها ما يخالف الدستور؛
لهذه الأسباب:
أولا- يصرح بأن مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة الملاحظة المسجلة على كل من المادة 54 (الفقرة الأخيرة) والمادة 110 منه؛
ثانيا- يأمر بتبليغ نسخة من قراره هذا إلى السيد رئيس الحكومة، وبنشره في الجريدة الرسمية.
وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم الثلاثاء 5 من جمادى الآخرة 1437 (15 مارس 2016)
الإمضاءات:
محمد أشركي
حمداتي شبيهنا ماء العينين ليلى المريني أمين الدمناتي
عبد الرزاق مولاي ارشيد محمد الصديقي رشيد المدور
محمد أمين بنعبد الله محمد الداسر شيبة ماء العينين محمد أتركين