المملكة المغربية الحمد لله وحده،
المجلس الدستوري
ملف عدد : 14/ 1398
قرار رقم : 14/ 940 م.د
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
المجلس الدستوري،
بعد اطلاعه على القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، الذي أحاله عليه السيد رئيس الحكومة رفقة كتابه المسجل بالأمانة العامة للمجلس الدستوري في 23 يونيو 2014، قصد البت في مطابقته للدستور؛
وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الـظهيـر الشـريـف رقـم 1.11.91 بتـاريـخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)، لاسيما الفصول 67 و132 و177 منه؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994)، كما وقع تغييره وتتميمه، لا سيما الفقرة الأولى من المادة 21 والفقرة الأولى من المادة 23 والفقرة الأخيرة من المادة 24 منه؛
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون؛
أولا ـ فيما يتعلق بالاختصاص:
حيث إن الفصل 132 من الدستور ينص في فقرته الثانية على أن القوانين التنظيمية تحال إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور قبل إصدار الأمر بتنفيذها؛
وحيث إن الفصل 177 من الدستور ينص على أن المجلس الدستوري القائم حاليا يستمر في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور، الأمر الذي يكون المجلس الدستوري بموجبه مختصا بالبت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور؛
ثانيا ـ فيما يتعلق بالشكل والإجراءات المتبعة:
حيث إنه، يتبين من الوثائق المدرجة في الملف أن القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعـلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق جــرى التداول فــي مشروعـه من طرف المجلس الوزاري بتاريخ 15 أكتوبر 2013، طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وقام السيد رئيس الحكومة، وفقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، بإيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بتاريخ 24 أكتوبر 2013، وتمت المداولة والموافقة عليه من طرف المجلس المذكور بتاريخ 5 فبراير 2014، أي بعد مضي عشرة أيام على تاريخ إيداعه بمكتبه، كما تداول في شأنه مجلس المستشارين ووافق عليه مع تعديل بعض مواده بتاريخ 21 مايو 2014، مما استلزم إعادتـه إلى مجلس النـواب حيث تمت المصادقة عليه نهائيا بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الحاضرين في قـراءة ثانيـة بتاريـخ 11 يونيو 2014، والكل وفـق أحكـام الفصلين 84 و85 من الدستور؛
ثالثا ـ فيما يتعلق بالموضوع:
حيث إن الدستور ينص في الفقرة الأخيرة من فصله 67 على أن قانونا تنظيميا يحدد طريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق؛
وحيث إن القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق المعروض على نظر المجلس الدستوري يحتوي على 19 مادة تقتصر المادة الأولى منها على التذكير بنص الفقرة الأخيرة من الفصل 67 من الدستور، وتتوزع باقي المواد على خمسة أبواب، خصص الأول منها لتشكيل اللجان النيابية لتقصي الحقائق وهيكلتها ويشمل المواد من 2 إلى 6، والثاني لتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق ويشمل المواد من 7 إلى 15، والثالث لتقرير اللجان النيابية لتقصي الحقائق ويتضمن المادتين 16 و17، والرابع للإحالة على المحكمة الدستورية، ويتضمن مادة فريدة هي المادة 18، والباب الأخير يتكون من مادة فريدة هي المادة 19 تتعلق بمقتضيات ختامية؛
وحيث إنه، بعد دراسة مواد هذا القانون التنظيمي مادة مادة؛
فيما يتعلق بالباب الأول:
حيث إن هذا الباب المخصص لتشكيل اللجان النيابية لتقصي الحقائق وهيكلتها يحتوي على المواد من 2 إلى 6؛
في شأن المادة 4:
حيث إن هذه المادة تنص على أنه عندما يكون تشكيل لجنة تقصي الحقائق بمبادرة من المجلسين، يتولى رئيس المجلس المعني إشعار رئيس الحكومة فور التوصل بالطلب داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أيام على أكبر تقدير، وأن رئيس الحكومة من جهته يوجه إلى رئيس المجلس المعني ـ داخل أجل 15 يوما من تاريخ إشعاره بالأمر ـ إفادة بأن الوقائع المطلوب في شأنها تقصي الحقائق هي موضوع متابعات قضائية جارية، وأنه إذا لم يتوصل رئيس هذا المجلس بالإفادة المذكورة داخل الأجل المحدد يقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل اللجنة، وأنه لا يمكن مناقشة طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق إذا أفاد رئيس الحكومة أن المتابعات القضائية قد فتحت في شأن الوقائع التي أسس عليها الطلب، وتتوقف المناقشة فورا إذا كان قد شرع فيها؛
وحيث إن الإجراءات الواردة في هذه المادة تقيدت في مضمونها بأحكام الفصل 67 من الدستور، الذي ينص في فقرته الثالثة على أنه لا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية ما دامت هذه المتابعات جارية، وجاءت تطبيقا لمبدأي فصل السلط واستقلال السلطة القضائية المنصوص عليهما على التوالي في الفصلين الأول (الفقرة الثانية) و107 من الدستور، مما تكون معه المادة 4 المذكورة مطابقة للدستور؛
في شأن المادة 6:
حيث إن هذه المادة تنص في فقرتها الثانية على أن منصب رئيس اللجنة أو مقررها يؤول إلى فرق المعارضة؛
وحيث إن الدستور، من جهة، وإن استخدم في الفقرتين الثالثة والأخيرة من فصله العاشر وفي الفقرة الثالثة من فصله 69 عبارة "فرق المعارضة"، إلا أنه استعمل في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل العاشر وفي الفقرة الثانية من الفصل 60 وفي الفقرة الثالثة من الفصل 69 وفي الفقرة الأخيرة من الفصل 82 عبارة "المعارضة" بصيغة الإطلاق، ومن جهة أخرى، أشار في الفقرة الأولى من فصله 61 وفي الفقرة الثالثة من فصله 69 إلى المجموعات البرلمانية إلى جانب الفرق البرلمانية؛
وحيث إن أعضاء البرلمان ـ الذين يستمدون نيابتهم من الأمة ـ متساوون في حقوقهم وواجباتهم، مما يتعين معه أن يتاح للبرلمانيين الذين اختاروا المعارضة، سواء كانوا منتمين إلى فرق أو مجموعات أو غير منتسبين، ممارسة الحقوق المضمونة دستوريا للمعارضة، بما في ذلك إمكانية تولي منصب رئيس أو مقرر لجنة نيابية لتقصي الحقائق؛
وحيث إن المجلس الدستوري سبق له في قراره رقم 13/924 الصادر بتاريخ 22 أغسطس 2013 ـ الذي يكتسي، بما في ذلك ما ورد فيه من ملاحظات تفسيرية، قوة الشيء المقضى به ـ أنْ بيَّن أن حقوق المعارضة لا تقتصر على الفرق البرلمانية، بل تشمل أيضا باقي مكونات المعارضة من مجموعات برلمانية وبرلمانيين غير منتسبين؛
وحيث إن القانون التنظيمي منبثق من الدستور ويعد امتدادا له؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، فإن لفظة "فرق" المضافة إلى المعارضة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 6 مخالفة للدستور، وأنه مع مراعاة ذلك، فإن مقتضيات المواد من 2 إلى 6 تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس فيها ما يخالف الدستور؛
فيما يتعلق بالباب الثاني:
حيث إن هذا الباب المخصص لتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق يتكون من المواد 7 إلى 15 ؛
في شان المادتين 12 و14 :
حيث إن المادة 12 تنص على أنه يعاقب بغرامة من 5000 إلى 20.000 درهم وبالحبس من ستة أشهر إلى سنتين أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص لم يحضر أو امتنع عن أداء اليمين دون عذر مقبول أمام لجنة لتقصي الحقائق أو رفض موافاة هذه الأخيرة بالوثائق التي لها علاقة بالوقائع أو بتدبير المصالح أو المؤسسات أو المقاولات العمومية موضوع تقصي الحقائق؛
وحيث إن المادة 14 تنص على أنه يعاقب بغرامة من 1000 إلى 10.000 درهم وبالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص قام، مهما كانت الوسيلة المستعملة، بنشر المعلومات التي تولت اللجنة جمعها، وأنه تضاعف العقوبة في حالة نشر المعلومات المتعلقة بمضمون شهادات الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم، وذلك دون الإخلال، عند الاقتضاء، بالعقوبات الأشد التي قد يتطلبها تكييف الفعل الجرمي؛
وحيث إنه، لئن كان الدستور يحصر مجال القانون التنظيمي المتعلق باللجان النيابية لتقصي الحقائق في تحديد طريقة تسيير هذه اللجان، فإن حضور الأشخاص الذين ترى اللجنة المعنية فائدة في الاستماع إليهم وموافاة اللجنة بالوثائق المسموح لها بالحصول عليها ولزوم حفاظ الأشخاص على سرية المعلومات التي تولت اللجنة جمعها، قد لا يكون مضمونا إذا لم يتضمن القانون التنظيمي عقوبات تطبق على الأشخاص الذين لا يلتزمون بهذه الواجبات، الأمر الذي يجعل هذه العقوبات مرتبطة بمستلزمات حسن سير لجان تقصي الحقائق ومباشرتها لمهامها، مما يجعلها بالتالي تكتسي صبغة قانون تنظيمي؛
وحيث إنه، لئن كانت العقوبات التي تتضمنها هاتان المادتان أشد من العقوبات المطبقة على الشهود الذين يرفضون الحضور أو يمتنعون عن أداء اليمين أمام المحاكم، بموجب مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، ومن العقوبات المطبقة على الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بحكم مهنتهم أو وظيفتهم الدائمة أو المؤقتة، بموجب مقتضيات القانون الجنائي، فإن طبيعة المهام المنوطة بلجان تقصي الحقائق بمقتضى الدستور والغايات التي ابتغاها المشرع الدستوري من إمكان إحداث هذه اللجان، تبرر تشديد العقوبات المطبقة على كل شخص لم يحضر أو امتنع عن أداء اليمين دون عذر مقبول أمام لجنة لتقصي الحقائق، أو امتنع عن موافاة اللجنة بالوثائق المطلوبة، أو أفشى سرا من أسرارها، مما يجعل العقوبات الواردة في المادتين 12 و14 المذكورتين ضرورية، وليس فيها إخلال بيِّن بمبدإ التناسب بين الأفعال والعقوبات المطبقة عليها؛
وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، فإن مقتضيات المواد من 7 إلى 15 تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس فيها ما يخالف الدستور؛
فيما يتعلق بالباب الثالث:
حيث إن هذا الباب المخصص لتقرير اللجان النيابية لتقصي الحقائق يحتوي على المادتين 16 و17؛
في شان المادة 16 :
حيث إن هذه المادة تنص على أن اللجنة تقرر في اجتماع خاص إنهاء أعمال التقصي، وأن مقررها أو أحد نوابه يقدم فور ذلك مشروع تقرير إلى رئيس اللجنة قصد التداول فيه من طرف أعضائها، وأن أعمالها تنتهي بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وأن هذا التقرير يجب أن يودع داخل أجل أقصاه ستة أشهر، وأنه إذا لم يتم إيداع التقرير داخل هذا الأجل، يعلن رئيس المجلس المعني حل اللجنة بعد أن يعرض الأمر على المجلس؛
وحيث إن تحديد ميعاد أقصى لتقديم تقارير لجان تقصي الحقائق وانتهاء مهامها تحت طائلة حل اللجنة في حالة تجاوز المدة المحددة، ليس إلا تطبيقا لما نص عليه الدستور في فصله 67 من أن لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها، الأمر الذي يستوجب تحديد أجل أقصى تنتهي بحلوله مهمتها، مع اعتبار أن هذا الأجل يبتدئ من تاريخ الإعلان الرسمي عن تشكيلها من طرف مكتب المجلس المعني؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، فإن مقتضيات المادتين 16 و17 تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس فيها ما يخالف الدستور؛
فيما يتعلق بالباب الرابع:
حيث إن هذا الباب يحتوي على المادة 18 التي تنص على أنه في حال حدوث خلاف بين الحكومة وأحد مجلسي البرلمان حول تطبيق أحكام القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، وحال ذلك دون السير العادي لهذه اللجنة، يمكن لرئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أن يحيل الخلاف على المحكمة الدستورية لتبت في الأمر؛
وحيث إن الفصل 132 من الدستور ينص على أن المحكمة الدستورية تمارس الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، يكون للقوانين التنظيمية أن تسند إلى المحكمة الدستورية اختصاصات فيما يرجع إلى المواضيع التي تدخل في المجال الذي حدده الدستور لهذه القوانين؛
وحيث إن المادة 18 آنفة الذكر تقيدت بأحكام الفصل 132 من الدستور عندما أسندت إلى المحكمة الدستورية اختصاصا له صلة بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق الذي أوكل الدستور تحديد طريقته إلى قانون تنظيمي، مما تكون معه مقتضيات المادة 18 تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس فيها ما يخالف الدستور؛
فيما يتعلق بالباب الخامس:
حيث إن هذا الباب يحتوي على المادة 19 التي تتضمن مقتضيات ختامية تهم نسخ أحكام القانون التنظيمي رقم 5.95 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.95.224 بتاريخ 6 رجب 1416 (29 نوفمبر 1995) كما وقع تغييره وتتميمه، مما تكون معه مقتضيات المادة 19 تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس فيها ما يخالف الدستور؛
لهذه الأسباب:
أولا ـ يصرّح:
ـ بأن لفظة "فرق" الواردة في المقطع الأول من الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق مخالفة للدستور؛
ـ بأن باقي مواد القانون التنظيمي رقم 085.13 ليس فيها ما يخالف الدستور؛
ـ بأن لفظة "فرق" الواردة في المقطع الأول من الفقرة الثانية من المادة 6 المصرح بمخالفتها للدستور يمكن فصلها من مقتضيات هذه المادة، ويجوز بالتالي إصدار الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق بعد حذف اللفظة المذكورة؛
ثانيا ـ يأمر بتبليغ نسخة من قراره هذا إلى السيد رئيس الحكومة، وبنشره في الجريدة الرسمية.
وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم السبت 14 من رمضان 1435 (12 يوليو 2014)
الإمضاءات
محمد أشركي
حمداتي شبيهنا ماء العينين ليلى المريني أمين الدمناتي عبد الرزاق مولاي ارشيد
محمد الصديقي رشيد المدور محمد أمين بنعبد الله محمد قصري
محمد الداسر شيبة ماء العينين محمد أتركين