المملكة المغربية الحمد لله وحده
المجلس الدستوري
ملف رقم : 05/805
قرار رقم : 05/606 م. د
باسم جلالة الملك
المجلس الدستوري ،
بعد اطلاعه على الرسالة المسجلة بأمانته العامة في 18 فبراير 2005 التي يطلب السيد الوزير الأول بمقتضاها من المجلس الدستوري التصريح بأن الأحكام الواردة في المادة 58 من القانون رقم 03-76 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب ، كما أقره مجلس النواب ومجلس المستشارين ، غير مطابقة للدستـور ؛
وبناء على الدستور ، خصوصاً الفصول 42 و46 و52 و54 و57 و66 و81 منه ؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري ، كما وقع تغييره وتتميمه ، خصوصاً المادتين 22 و23 منه ؛
وبناء على القانون رقم 03-76 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب ؛
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون ؛
حيث إن أحكام المادة 58 من القانون رقم 03-76 المشار إليه أعلاه ، المستفتى في شأنها والمتعلقة بالإنصات إلى والي بنك المغرب من طرف لجان برلمانية تنص على أنه: "يتم الإنصات إلى الوالي من طرف اللجان الدائمة للبرلمان المكلفة بالمالية ، سواء بطلب من هذه اللجان أو بطلب من الوالي ، حول المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية ونشاط مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها" ؛
في شأن المسطرة المؤدية للإنصات إلى والي بنك المغرب من طرف اللجان الدائمة المكلفة بالمالية في كل من مجلسي البرلمان ،
أولاً: حول الإنصات بطلب من والي بنك المغرب
حيث إن أحكام الفصل 42 من الدستور تنص على أن للوزراء الحق في حضور جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما الدائمة ، ويمكنهم أن يستعينوا بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض ، وأن هذه المقتضيات المؤسسة للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تتفرع عنها لتؤكدها ، على الخصوص ، كل من أحكام الفصول 52 التي ورد فيها أن للوزير الأول الحق بالتقدم باقتراح القوانين و54 (الفقرة الأولى) التي تنص على أن المشاريع والاقتراحات تحال على اللجان المذكورة و57 (الفقرة الأولى) التي تتضمن أن للحكومة حق التعديل ولها بعد افتتاح المناقشة ، أن تعارض في بحث كل تعديل لم يعرض من قبل على اللجنة التي يعنيها الأمر ؛
وحيث إنه يُستفاد من الأحكام السابقة أن الدستور ، عند تعرضه لمبدأ وأشكال مساهمة طرف خارجي عن البرلمان في أعمال هذه المؤسسة ، ضمن جلسات مجلسيها أو اجتماعات لجانها الدائمة ، فإنه أقام ، بالنسبة لهذا الطرف ، الربط بين الحق في حضور هذه الاجتماعات وحق المشاركة في أشغال المؤسسة التشريعية مع ما يترتب عن ذلك من أخذ الكلمة عند طلبها ، وأنه بذلك جعل من تخويل الحق الأول مدخلاً لممارسة الحـق الثاني ؛
وحيث إنه ليس في الدستور ما يُفيد أن لوالي بنك المغرب الحق ، بهذه الصفة ، في حضور جلسات مجلسي البرلمان واجتماعات لجانهما الدائمة ، وهو الأمر الذي يُستخلص منه أنه ، إذا كان بالإمكان أن يطلب الاستماع إليه من طرف اللجان الدائمة المكلفة بالمالية ضمن المجلسين ، فليس له الحق بأن يُنصت إليه بمجرد هذا الطلب ؛
وحيث إنه، تبعاً لذلك ، يكون ما ورد في أحكام المادة 58 المستفتى في شأنها من أنه يتم الإنصات إلى والي بنك المغرب بعد أن يتقدم بطلب لذلك، غير مطابقة للدستور ؛
ثانياً : حول الإنصات بطلب من اللجان الدائمة للمجلسين، المكلفة بالمالية :
حيث إن الإنصات إلى والي بنك المغرب من طرف لجان المالية في مجلسي البرلمـان وبطلب منها ، لا يمكن البت في دستوريته بغض النظر عن المهام الموكولة لهذا البنك وعن وضعه القانوني ؛
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أحكام القانون رقم 03-76 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب أن هذا الأخير الذي تتشكل أجهزة إدارته وتسييره من مجـلس ومن الوالي ومكتب الإدارة (المادة 36) ، يعتبر شخصاً معنوياً عمومياً متمتعاً بالاستقلال المالي (المادة 1) وتاجراً في علاقته مع الغير ويضطلع بمهمة تحديد أدوات السياسة النقدية (المادة 6) وأهدافها الكمية (المادة 37) ، وأنه بالإضافة إلى توليه تحديد قيمة الدرهم مقابل العملات الأجنبية (المادة 8) فإنه يسهر على حسن سير السوق النقدية ويراقبها (المادة 7) ويتحقق من حسن سير النظام البنكي (المادة 9) ويتخذ جميع التدابير التي من شأنها تسهيل تحويل الأموال ضمانا لحسن سير وسلامة أنظمة الأداء (المادة 10) ، كما أنه وكيل للخزينة بخصوص جميع عملياتها البنكية المنجزة داخل أو خارج البلاد (القسم الأول من الباب الثاني) ويتكلف بإنجاز عمليات أخرى ، منها العمليات البنكية وتلك المتعلقة بالسياسة النقدية، وأن الحكومة ، لتمكين البنك من مزاولة هذه المهام ، تستشيره على وجه الخصوص في جميع المسائل التي من شأنها أن تمس بمزاولة صلاحيات البنك ومهامه كما هي مبينة في القانون ، وأن البنك يعرض على الحكومة جميع الآراء والاقتراحات المتعلقـة بنفس المسائل (المادة 11) ، وإذا كانت أنشطة البنك يتولي مراقبتها مندوب للحكومة ، فإن العمليات المتعلقة بالسياسة النقدية تستثنى من مهامه (المادة 50) ، بالإضافة إلى أن البنك الذي لا يعتبر ضامناً للالتزامات المبرمة من طرف الدولة (المادة 27) ، لا يمكنه أن يمنحها مساعدات مالية إلا في شكل تسهيلات صندوق ، كما أنه يبعث بمستخرجات محاضر المجلس المتعلقة بميزانيته وبذمته المالية مرفقة بنسخ من تقارير مدققي الحسابات إلى المجلس الأعلى للحسابات (المادة 53) ؛
وحيث إنه يُستفاد من الأحكام السابقة أن بنك المغرب ، لئن كان شخصاً عمومياً ، مثله في ذلك مثل المؤسسات العامة التي تحدث هي أيضاً بمقتضى أحكام الفصل 46 من الدستور ، فإنه بالنظر لمميزاته الخاصة ولاستقلاليته الواسعة ولعدم خضوعه لوصاية من نوع إداري تشمل جميع ما يضطلع به من مهام ، وكذا للصلاحيات المتنوعة والهامة الموكولة له ، فإنه لا يجوز إدماجه في صنف المؤسسات العامة ، ولا يمكن تبعاً لذلك اعتبار والي البنك الذي يقدم سنوياً بين يدي جلالة الملك تقريرا حول الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد من المندوبين المشار إليهم في أحكام الفقرة الأولى من الفصل 42 من الدستور ، المومأ إليه أعلاه والذين لا يمكنهم الاستجابة إلى طلب الاستماع الذي قد يوجه لهم من طرف لجنة من اللجان الدائمة في المجلسين إلا بموافقة الوزير المكلف بالقطاع وضمن الوفد الذي يعين أعضاءه ؛
وحيث إن اللجان الدائمة بوصفها أداة لتحضير العمل التشريعي وتزويد البرلمان بالمعطيات الضرورية لذلك ، قد تكون في حاجة ، للقيام بمهامها ، إلى تجميع المعلومات الدقيقة المتعلقة بمرفق عمومي أو قطاع حيوي ، وأن من حقها في هذا الإطار أن تستمع بطلبها إلى والي بنك المغرب ، مع العلم أن وزير المالية له ، بصفته عضواً للحكومة أن يحضر جلسة الإنصات ، ويتعين لذلك إشعاره بتنظيم هذه الجلسة ؛
في شأن موضوع جلسة الإنصات :
حيث إن أحكام المادة 58 من القانون رقم 03-76 المومأ إليه أعلاه ، تنص في هذا الصدد على أن الإنصات إلى والي بنك المغرب يتم حول "المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية ونشاط مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها" ؛
وحيث إن تعريف موضوع الإنصات إلى والي بنك المغرب ، كما ورد في المادة المشار إليها ، بإحالته إلى "المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية" ، جاء مبهماً ، وقد يُفهم منه أن الموضوع المذكور يتعلق أيضاً بتحديد السياسة النقدية التي لا تدخل في صلاحيات والي بنك المغرب ، بل هي من مهام المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك ، وذلك بمقتضى الفصل 66 من الدستور ؛
وحيث إنه ، تبعاً لذلك ، يكون ما نصت عليه المادة 58 من أن الإنصات إلى والي بنك المغرب من طرف اللجان الدائمة للبرلمان المكلفة بالمالية يتم حول المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية ، غير مطابق للدستور ؛
لهذه الأسباب
أولا : يصرح بأن عبارتي "بطلب من الوالي" و"المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية" والمضمنتين في المادة 58 من القانون رقم 03-76 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب ، غير مطابقتين للدستور ، مع مراعاة الملاحظات الواردة أعلاه في حالة إعادة صياغة أحكام المادة المذكورة ؛
ثانيا : يأمر بتبليغ قـراره هذا إلى السيد الوزير الأول وبنشره في الجريدة الرسمية ؛
وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم الاثنين 10 صفر 1426
(21 مارس 2005)
الإمضاءات
عبد العزيز بن جلون
محمد الودغيري إدريس العلوي العبدلاوي السعدية بلمير عبد اللطيف المنوني
عبد الرزاق الرويسي إدريس لوزيري محمد تقي الله ماء العينين
عبد القادر القادري عبد الأحد الدقاق هانيء الفاسي صبح الله الغازي